خطبة الجمعة القادمة : النور في القرآن الكريم ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة 22 يناير 2021م بعنوان : النور في القرآن الكريم ، للشيخ كمال المهدي، بتاريخ 9 جمادى الثانية 1442هـ ، الموافق 22 يناير 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 يناير 2021م بصيغة word : النور في القرآن الكريم ، للشيخ كمال المهدي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 يناير 2021م بصيغة pdf : النور في القرآن الكريم ، للشيخ كمال المهدي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 يناير 2021م بعنوان : النور في القرآن الكريم ، للشيخ كمال المهدي:
١- الظلمات في الجاهلية قبل الإسلام.
٢-نور القرآن الكريم جلى ظلمات الجاهلية.
٣- حال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته مع القرآن الكريم.
٤- بقاء نور القرآن إلى آخر الزمان.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 22 يناير 2021م كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة ٩ من جمادى الآخرة ١٤٤٢هـ ، الموافق ٢٢ يناير ٢٠٢١ م بعنوان: النور في القرآن الكريم
، ***
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم.
*أما بعد *
أحبتي في الله :
حديثنا اليوم سيدور حول النور في القرآن الكريم.
وقبل أن نتحدث عن النور لابد أن نرى الظلمات لنشعر بنعمة النور..
** وأبدا وأقول أن الناس قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن عليه كانوا يعيشون في ظلمات متعددة ظلمة الشرك وظلمة الجهل وظلمة البغي والعدوان وظلمة العقول إلى غير ذلك من الظلمات.
* فتعالوا بنا لنرجع إلى الوراء إلى الجاهلية الأولى ونرى كيف كان حالهم وكيف كانوا يعيشون في ظلمات قبل الإسلام وقبل نزول القرآن وبعثة النبي العدنان. وكيف أنار الله لهم بالقرآن وسط هذا الظلام وأخرجهم به من الظلمات إلى النور.
**أول ظلمة كانوا فيها (ظلمة الشرك) فقد كانوا يعبدون الأوثان ويتركون عبادة الله الواحد الديان فتجد أنهم ينتقون حجرًا بعناية ويقومون بنحته وتهيأته، ثم يضعوه أمامهم ويعبدونه ويسجدون له. بل ويظنون أن هذا الحجر يضرهم وينفعهم، فيقدمون له القرابين محاولين إرضاؤه. وهم الذين صنعوه بأيديهم.
فساد في العقول ولذلك ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما علم من عمر بن الخطاب ما كان منه قبل إسلامه أنه كان يذهب للسوق ويشتري التمر ويصنع منه صنم يسجد له، ثم إذا جاع أكله. فقال له رسول الله: “ألم تكن لكم عقول يا عمر؟، فقال: كانت لنا عقول يا رسول الله، ولم تكن لنا هداية”.
** بل انظر إليهم وهم يقومون بدفن البنات أحياء كانوا يترقبون مجيء الذكور ولا يحبون البنات قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم) [النحل ٥٨] فهم يعتبرون وجودها عار وفضيحة، فمن كانت تولد له بنتًا يئدها حية، أي أن يحفر لها حفرة. ويهيل عليها التراب ويتركها حتى تموت.
** كان الزنا والعري منتشرا فقد كان ينصب فوق بيوت البغاء الرايات الحمر، وقد كثرت الداعرات صاحبات الحانات، وكان الآباء لا ينهون أبناءهم عن إتيان مثل هذه الأفعال.
** شاعت السرقات والكسب الحرام في الجاهلية، حتى أنهم لم يستطيعوا إعادة بناء بيت الله؛ وذلك لأن قريش عزمت على إعادة بناء الكعبة من حلال أموالها، وجمعت من أجل ذلك ما استطاعت، إلا أن النفقة قد قصرت بهم عن إتمام بناء الكعبة بمال حلال خالص.
أمور كثيرة كانت تحدث في الجاهلية ما هي إلا ظلام دامس.
إلى أن أراد الله لهذا الظلام أن ينجلي بنور القرآن فبعث الله جل وعلا رسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه القرآن الكريم النور المبين دستور الأمة العظيم الذي يعد أكبر نعمة من نعم رب العالمين على البشرية كلها ليخرجهم به من الظلمات إلى النور. قال تعالى :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً )[النساء ١٧٤] وقال تعالى :(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ التي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الأعراف١٥٧].
** فنهى الإسلام من خلال هذا القرآن عن عبادة الأوثان ودعا إلى عبادة الواحد الديان، وبيّن سبحانه قلة عقول أهل الشرك، وسذاجة أحلامهم في عدولهم عن عبادة الله إلى عبادة غيره ممن لا يخلق، ولا يملك لهم ضراً ولا نفعاً، فقال سبحانه: (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) [الأعراف: ١٩١]. وقال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) [يونس: ١٨]
**كما نهي عن وأد البنات فقال جل وعلا (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) [التكوير ٨ – ٩]
وجعل الإسلام للمرأة حقوقاً وواجبات وكرمها كأم وابنة وزوجة وأخت.
** كما نهى عن الزنا والعري والفواحش وأمر بالحشمة والوقار فقال جل وعلا (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا). [ الإسراء ٣٢] وقال تعالى(الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ).[ النور ٢]
وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم فقال تعالى (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور٣٠ – ٣١]
كل ذلك لِيَبني مجتمعاً طاهراً نقيا..
** كما حرم السرقة والكسب الحرام فقال تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:٣٨] ،
** وإن المتأمل في آيات القرآن الكريم يجد أنها تحمل بين طياتها كل ما فيه خير للبشرية جمعاء فالقرآن نُورٌ أَنْزَلَهُ الله تعالى لِيُضِيءَ لِلنَّاسِ مَا أَظْلَمَ مِنْ قُلُوبِهِمْ بسببِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، وَيُصْلِحُ مَا فَسَدَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ بِسَبَبِ الْإِعْرَاضِ وَالِاسْتِكْبَارِ.
نُورٌ بِكُلِّ مَا حَوَاهُ بَيْنَ دَفَّتَيْهِ منَ الْآيَاتِ.
نُورٌ فِيمَا قَرَّرَهُ مِنَ الْعَقَائِدِ، وَمَا فَرَضَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَبْلَهُ تَائِهِينَ فِي دَيَاجِيرِ الْعَقَائِدِ الْفَاسِدَةِ، وَسَرَادِيبِ الْأَوْثَانِ الْبَائِدَةِ، وَالْأَحْكَامِ الْجَائِرَةِ، فَتُسَعَّرُ حُرُوبٌ، وَتَفْنَى قَبَائِلُ فِي نَاقَةٍ عُقِرَتْ، أَوْ خَيْلٍ سُبِقَتْ.
الْقُرْآنَ نُورٌ اسْتَضَاءَ بِهِ نَبِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمَلَ هَذَا النُّورَ الرَّبَّانِيَّ وَنَقَلَهُ لِيُضِيءَ بِهِ الْعَالَمَ كُلَّهُ، وَلَا زَالَ الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أُمَّتِهِ يَحْمِلُونَ هَذَا النُّورَ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ قَرْنًا، وَسَيَظَلُّونَ كَذَلِكَ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ تَعَالَى. قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا) [النساء ١٧٤]
* وصدق القائل :-
يا أيها الكَلم العلى الشان**
يا من أضأتَ غياهبَ الإنسان.
فبذكر حرفكَ تطمئنُ قلوبُنا**
وبعلم نحوكَ يستقيمُ لساني.
والنفسُ تدخلُ في محاريب الهدى**
والروحَ تسبحُ في سنا الشطآن.
يا حصن أمن المسلمين وفخرهم**
يا خير ما نطقت به الشفتان.
ما دمت فينا لن يتوه سفيننا**
فالحرف نور في يد الربان.
من عند ربي قد أتيت مفصلاً**
وبقيت وحياً دائم التبيان.
تؤتى ثمار الأمن في كل المدى**
فالغرس نور والشذى نوراني.
** أحبتي في الله :-
إن المتأمل في القرآن الكريم يجد مقارنة عجيبة بَيْنَ مَنِ اسْتَنَارَ بِالْقُرْآنِ وَمَنْ تَاهَ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ قال تعالى (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام:١٢٢]، وَاللهِ لَا يَسْتَوِيَانِ أَبَدًا، لَا فِي ضِيَاءِ الْقَلْبِ فِي الدُّنْيَا، وَلَا فِي مَصِيرِ الْآخِرَةِ.
*ولا ريب أن القرآن الكريم كتابُ هدايةٍ للأمة قاطبة، وما من شيء في الدنيا والآخرة إلا وقد بَيَّنَ القرآن سبل الرشاد والهداية فيه، قال الله تعالى: ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة:٢]، وقال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا) [الإسراء:٩]، وهذا هو السبب الواضح الذي من أجله أنزله الله تعالى ليكون للناس هداية وفرقاناُ ونورا..* فهذا القرآن نور ينير في ظلمات الجهل والشرك والضلال وسورة الكهف في يومنا هذا يوم الجمعة الذي يقرأها تكون له نور كما أنزلت، قال صلى الله عليه وسلم : (من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين).
فهذه الحديث الصحيح وغيره يبين فضل هذه السورة، وأن قراءتها نور ينتفع بها صاحبها إلى الجمعة التي بعدها، هذا القرآن نوره يذهب الهم والغم؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الهم والحزن قال: (أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي) . فإذا كان القرآن نوراً في الصدر فأنعم وأكرم بهذا الصدر.
** وتعالوا بنا لنرى كيف كان حال حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام مع هذا النور المبين.
فقد ورد في الصحيحين عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال لِي النبي صلّى اللّه عليه وسلم يَعْنِي ذَاتَ يَوْمٍ-: (اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ).
قَالَ: قُلْتُ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي)
قَالَ: فَاسْتَفْتَحْتُ النِّسَاءَ حَتَّى إِذَا وَصَلْتُ إِلَى قَوْلِ اللهِ تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) [النساء: ٤١].
قَالَ: ((حَسْبُكَ الْآنَ)).
قَالَ: فَالْتَفَتُّ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ صلى الله عليه وسلم.
وَلَعَلَّ الَّذِي جَعَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ يَلْتَفِتُ إِلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم هُوَ تَغَيُّرُ نَغْمَةِ الصَّوْتِ الَّتِي قَالَ بِهَا لَهُ حَسْبُكَ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ الدَّمْعَ الْمِدْرَارَ الْغَزِيرَ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، تَأَثَّرَ صَوْتُهُ بَعْضَ تَأَثُّرٍ، فَقَالَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: ((حَسْبُكَ الْآنَ))، فَكَانَ فِي نَبْرَةِ الصَّوْتِ تَأَثُّرُهُ وَبُكَاؤُهُ.
وورد عَبْدُ اللهِ بْنُ الشِّخِّيرِ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ.
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا يُصَلِّي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَيَتْلُو آيَاتِ كِتَابِهِ الْمَجِيدِ، يَكُونُ لِصَدْرِهِ مِنَ الْبُكَاءِ وَمِنَ الْخَشْيَةِ مِنْ جَنَابِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ، وَهُوَ صَوْتُ الْقِدْرِ إِذَا فَارَ بِمَا فِيهِ عِنْدَ غَلَيَانِ مَائِهِ، فكذلك يَكُونُ جَيَشَانُ الْعَوَاطِفِ، وَثَوَرَانُهَا في قلب المصطفى المختار مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم خَشْيَةً مِنَ اللهِ جَلَّ وَعَلَا،
**وهذا أَبو بكر الصديق رضي الله عنه عِنْدَمَا أَمَرَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بأَنْ يَؤُمَّ النَّاسَ فِي مَرَضِه صلى الله عليه وسلم خَافَتْ السيدة عائشة رضي الله عنها أَنْ يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه، فقالت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم :(يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ -يَعْنِي رَجُلٌ دَائِمُ الْحُزْنِ مُتَّصِلُ الْعَبَرَاتِ- إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيف، وَإِنَّهُ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنْ غَلَبَةِ الْبُكَاءِ).
وَكَذَلِكَ كَانَ حَالُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِذَا قَامَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ، لَا يَتَمَالَكُ نَفْسَهُ مِنَ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
** فعلينا أحبتي في الله: أن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام وعلينا أن نُقبِل على كتاب ربنا لننهل منه ولنستنير به في الظلمات ولا نكن من الهاجرين له المعرضين عنه فأَهْلُ الْإِعْرَاضِ عن نُورِ الْقُرْآنِ يُحَارِبُونَهُ، وَيَسْعَوْنَ جُهْدَهُمْ لِإِطْفَائِهِ؛ حِرْمَانًا لِلنَّاسِ مِنْ نُورِهِ لمَّا حُرِمُوا هُمْ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللهَ تَعَالَى كَتَبَ أَنْ يَبْقَى هَذَا النُّورُ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ؛ لِيَسْتَضِيءَ بِهِ مَنْ قَبِلَهُ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ قال تعالي(يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة: ٣٢].
إنهم يُحَاوِلُونَ حَجْبَ هَذَا النُّورِ عَنِ النَّاسِ بِتَشْوِيهِهِ، وَالتَّنْفِيرِ مِنْهُ؛ كَقَوْلِ الْكُفَّارِ الْقُدَمَاءِ: إِنَّهُ سِحْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ أَوْ جُنُونٌ أَوْ قَوْلُ بَشَرٍ، وَكَقَوْلِ كُفَّارِ الْعَصْرِ بأنه يَدْعُو إِلَى التَّطَرُّفِ وَالْعُنْفِ وَالْإِرْهَابِ. وَهُمْ يَعْمَلُونَ لَهُ دِعَايَةً مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، فَمَا يَنْتَهُونَ مِنْ دِعَايَاتِهِمْ وَأَكَاذِيبِهِمِ إِلَّا وَيُقْبِلُ كَثِيرٌ مِمَّنْ عَاشُوا فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالتِّيهِ وَالضَّيَاعِ لِيَرَوْا مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنْ أَوْصَافٍ سَيِّئَةٍ وُصِفَ بِهَا، فَيَجِدُوهُ خِلَافَ مَا يَذْكُرُهُ أَعْدَاؤُهُ، وَيَجِدُوا فِيهِ نُورًا يُضِيءُ قُلُوبَهُمْ، فَيَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ تَعَالَى أَفْوَاجًا. وَالْقُرْآنُ غَالِبٌ بِنُورِهِ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْجَهْلِ وَالْهَوَى.
** وفي الختام أقول: ما أَحْوَجَ الْبَشَرَ الْجُهَلَاءَ، الْمُتَخَبِّطِينَ فِي الظَّلْمَاءِ إِلَى نُورٍ يُنِيرُ لَهُمْ طَرِيقَ الْعَلْيَاءِ، فيرتفعون بِهِ عن دَنَايَا الدنيا الزَّائِلَةِ إِلَى دَارِ الْخُلْدِ وَالنَّعِيمِ وَالْكَرَامَةِ!
*أسأل الله تعالى أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا وجلاء همومنا وأحزاننا، وأن يرزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار بالوجه الذي يرضيه عنا. (اللهم آمين)
**
كتبه /الشيخ كمال السيد محمود محمد المهدي.
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية.
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف